الأمن السيبراني في لبنان: أداة حيوية لبناء السلام في ظل الأزمات الداخلية والصراعات الإقليمية

لبنان يواجه حالياً فترة من عدم الاستقرار الشديد في ظل الحرب. جذور هذه التحديات تكمن في بقايا الصراعات الماضية، حيث كان البلد هدفًا طويل الأمد للصراعات الداخلية والإقليمية والدولية. هذه البيئة الفوضوية تستدعي حلولًا مبتكرة لتعزيز بناء السلام على المدى الطويل، ومن المفاجئ أن إحدى الأدوات الأكثر أهمية والتي لم تُستَكشف بعد في هذا المجال هي الأمن السيبراني. لكن لماذا هو ذا أهمية خاصة الآن؟

يمكن تقسيم الحاجة إلى الأمن السيبراني في لبنان اليوم إلى ثلاث طبقات رئيسية:

  1. الانقسام السياسي الداخلي: عانى لبنان من الانقسامات الداخلية على مر السنين، مع طائفية سياسية ودينية عميقة. يمكن أن يلعب الأمن السيبراني دورًا في تعزيز الشفافية وبناء الثقة بين المجتمعات اللبنانية المختلفة.

  2. اللاجئون والفئات السكانية المهجرة قسريًا: مع وجود ملايين اللاجئين من سوريا وفلسطين في لبنان، وآلاف من النازحين داخليًا بسبب الهجمات الإسرائيلية على البلاد، التوترات مرتفعة، والبنية التحتية الهشة بالفعل تحت ضغط كبير. يمكن أن يساعد الأمن السيبراني في تقليل خطر الاستغلال والعنف ضد هذه الفئات السكانية الضعيفة.

  3. دور لبنان في الصراعات الإقليمية والدولية: كدولة صغيرة ولكن ذات موقع استراتيجي، أصبح لبنان يقع بشكل متزايد في مرمى النيران في الصراعات الإقليمية. الهجمات السيبرانية من خصوم أجانب تتصاعد، مما يعرض بيانات المدنيين والبنية التحتية للخطر.

دعونا نتعمق أكثر في هذه القضايا ونرى كيف يمكن أن يصبح الأمن السيبراني عنصرًا محوريًا في استراتيجية لبنان لبناء السلام.

التوترات الداخلية والشلل السياسي

الوضع السياسي الداخلي في لبنان في حالة شلل، حيث يعمل البلد تحت حكومة تصريف أعمال بعد أن بقي بدون رئيس لأكثر من عام بسبب الجمود السياسي غير المحسوم. ما يزيد الأمور تعقيدًا هو الانهيار الاقتصادي والفساد المستشري بين النخب الحاكمة، مما ضاعف مشاعر العجز.

مثال حاسم على كيفية ارتباط الأمن السيبراني بهذا الصراع الداخلي حدث في يناير 2024، عندما تعرض مطار بيروت الدولي، المطار الوحيد في لبنان، للاختراق. تم عرض رسائل مناهضة لحزب الله على الشاشات في المطار، مما أوجد مزيدًا من الانقسامات بين المجتمعات اللبنانية. الهجوم أثار الشكوك حول كونه محاولة لإشعال التوترات الطائفية (Hamadi, 2024).

ورغم أن الهجوم لم يُؤكد أنه من عمل إسرائيل، يُعتقد أنه كان عملية سيبرانية متقدمة لا يمكن تنفيذها إلا من قبل مجموعة مدربة تدريبًا جيدًا (Hamadi, 2024). مثل هذه الحوادث السيبرانية تقوض ثقة المواطنين اللبنانيين في قدرة حكومتهم على حمايتهم. وهذا يبرز الحاجة الماسة لاستراتيجية سيبرانية مؤسسية للحد من الانقسام السياسي وحماية البنية التحتية الحساسة.

اللاجئون، المهجرون قسريًا، والبنية التحتية للأمن السيبراني

التقسيمات الطائفية الفريدة في لبنان هي مصدر قوة وأيضًا حجر عثرة في الوحدة الوطنية. مع استيعاب لبنان لملايين اللاجئين، معظمهم من سوريا (حوالي 1.5 مليون) وفلسطين (حوالي 300,000)، فإن الضغط على بنية البلد التحتية يتزايد، خاصة مع زيادة عدد النازحين بسبب الاعتداءات الإسرائيلية. وقد أدى ذلك إلى تنامي الاستياء والانقسام السياسي، خاصة مع استخدام بعض الفصائل السياسية لقضية اللاجئين لتعبئة الدعم (Cherri et al., 2016).

لكن ما وراء الضغط البدني على موارد لبنان، هناك ضعف رقمي غالبًا ما يُغفل. إن الزيادة في عدد السكان والاستخدام المرتفع للبنية التحتية القديمة للاتصالات يمكن أن يؤدي إلى ثغرات سيبرانية. الإنقطاعات المتكررة للكهرباء، والأنظمة القديمة، ونقص الوعي بالأمن السيبراني تخلق العاصفة المثالية لانهيار الأمن الرقمي الوطني (م. أشقر جبور، تواصل شخصي، 11 مارس 2024). كلما زادت حركة المرور الرقمية من المقيمين واللاجئين التي تغمر هذه الأنظمة الضعيفة، كلما زاد خطر حدوث فشل في النظام، مما قد تكون له عواقب مدمرة على غرار الهجوم السيبراني.

لبنان والصراعات الإقليمية: هدف سيبراني

يضع موقع لبنان الجغرافي في قلب العديد من الصراعات الإقليمية، لا سيما التوترات المستمرة مع إسرائيل. منذ أكتوبر 2023، أصبحت جنوب لبنان واحدة من أكثر الجبهات نشاطًا ضد الجيش الإسرائيلي، مع التصعيدات في قطاع غزة والضفة الغربية ((Verdeil et al., 2019).

لم تسلم الهجمات السيبرانية من هذا الصراع الإقليمي. في 2024، تعرضت مواقع الحكومة اللبنانية، بما في ذلك وزارة الشؤون الاجتماعية وموقع البرلمان، للاختراق في سلسلة من الهجمات السيبرانية. تتزامن هذه الحوادث مع تهديد متزايد لاندلاع حرب أوسع في المنطقة، مما يسلط الضوء على الأهمية المتزايدة للأمن السيبراني في حماية سيادة لبنان وبيانات المدنيين (Hamadi, 2024).

أحد التطورات الأكثر إثارة للقلق وقع مع مزود الإنترنت الوحيد في لبنان، "أوجيرو"، الذي تعرض لهجوم سيبراني استمر لمدة 10 أيام مما أضعف البنية التحتية الرقمية الضعيفة بالفعل في البلاد (Prentis & Homsi, 2024). ورغم أن مصادر الهجوم لا تزال غير واضحة، يعتقد الخبراء أن الهدف كان سرقة البيانات لأغراض التجسس. في بلد يعاني بالفعل من أزمات اقتصادية وسياسية شديدة، فإن هذه الهجمات السيبرانية تزيد من تفاقم التوترات، مما يجعل من الضروري أن يقوم لبنان بإرساء إطار سيبراني قوي.

طريق للمضي قدمًا: تعزيز الأمن السيبراني من أجل بناء السلام

تُظهر الوضعية في لبنان أن الأمن السيبراني لم يعد رفاهية بل ضرورة لبناء السلام. إن النظام السياسي الهش في البلد، والبنية التحتية المرهقة، وتورطه في الصراعات الدولية، تجعل لبنان عرضة بشكل خاص للتهديدات الرقمية.

من خلال تعزيز بنيته التحتية للأمن السيبراني، يمكن للبنان معالجة الانقسامات الداخلية، وتقليل المخاطر على اللاجئين، وحماية نفسه بشكل أفضل من التهديدات الرقمية الخارجية. لبناء سلام مستدام، يجب على الحكومة أن تركز ليس فقط على الجهود العسكرية والدبلوماسية ولكن أيضًا دمج الأمن السيبراني في استراتيجيتها لبناء السلام. مع تزايد الهجمات السيبرانية، من الضروري للبنان أن يستثمر في التدريب، والبنية التحتية الرقمية، وتطوير السياسات لحماية مستقبله.

بينما تستمر الحروب في التصاعد، يصبح من الواضح بشكل متزايد أن تأسيس إطار أمني سيبراني قوي أمر عاجل. الوقت للعمل هو الآن—قبل أن تصبح البنية التحتية الرقمية في لبنان ساحة معركة أخرى في الصراع المستمر من أجل السلام.

:المصادر

Cherri, Z., Arcos González, P., & Castro Delgado, R. (2016). The Lebanese–Syrian crisis: impact of influx of Syrian refugees to an already weak state. Risk Management and Healthcare Policy, 9, 165–172. https://doi.org/10.2147/RMHP.S106068

Hamadi, G. (2024, January 22). After the hacking of the Parliament and Social Affairs Ministry websites “more attacks” expected in Lebanon, expert says. L’Orient Today. https://today.lorientlejour.com/article/1365266/lebanonsministry-of-social-affairs-website-hacked.html

Prentis, J., & Homsi, N. (2024, April 17). Cyber attack on Lebanon state internet provider Ogero disrupts services. The National. https://www.thenationalnews.com/news/mena/2024/04/17/cyber-attack-on-lebanon-stateinternetprovider-ogero-disrupts-services/

Verdeil, E., Faour, G., Hamzé, M., & Gillette, C. (2019). Atlas of Lebanon: New challenges. Presses de l’Ifpo.

Previous
Previous

لبنان عند مفترق الطرق: تقاطع متزايد بين الأمن السيبراني وبناء السلام